الثلاثاء، 24 أبريل 2012

قراءة في أوراق “الدعوة السلفية المصرية”


قراءة في أوراق “الدعوة السلفية المصرية”

نشأة الفكر السلفي في العالم الاسلامي:
ظهرت السلفية كرد فعل على فرق ومدارس فكرية جديدة في الدولة الإسلامية بداية من العصر العباسي وتحديدا في عصر الخليفة المأمون اذ كان هذا العصر من أكثر عصور الدولة الإسلامية توسعا في الترجمة والنقل والعلم والمعرفة مما أدى الى إدخال مناهج التفكير والبحث والاستدلال العقلي في باب البحث الديني وهذا العصر بدأت فيه عدة اختلافات فقهية واسعة بين مجموعات من العلماء المتمسكين بأقوال سلفهم في مسائل الاختلاف مع أهل الكلام وبين أهل التحديث في التفكير وتلاميذهم ومؤيديهم وهنا وقف الإمام أحمد بن حنبل رائد المذهب الحنبلي في وجه مخالفيه عندما رفض الاعتراف بمذاهب أهل الكلام في عده مسائل وقال لهم قولة مشهورة ( ائتوني بشئ من كتاب الله أو من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأنا أوافق ما تذهبون عليه ) فالسلفي يتوقف في الاجتهاد ما أغلق الباب بالكتاب والسنة.
وهناك ثلاثة قواعد للفكر السلفي،هي:
تقديم النقل على العقل
رفض التأويل الكلامى
كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث
السلفيون في مصر :
ظهرت التيارات السلفية في مصر بشكلها التقليدي في منتصف السبعينات من القرن الماضي، ساعد على ذلك النشاط السلفي داخل الجامعة في نهاية السبعينيات، حيث استخدم الدين لتحجيم القوي السياسية داخل الجامعة، وفي التعبئة السياسية عموما ،
ثم تراجعت بعد اغتيال الرئيس السادات حتي عام 1996 بسبب توسع السلطة في قمع الأفراد والجمعيات السلفية
واعتبارا من 1996 بدأت الحركة السلفية في النمو، ساعد في ذلك المراجعات الفكرية لجماعة الجهاد، والجماعة الإسلامية، هذا فضلا عن هجر الإخوان للعمل الدعوي والانشغال بالسياسة، والانسحاب التقليدي للصوفية، واستمرار الفجوات الاجتماعية والسياسية والثقافية، بالإضافة لظروف أخرى تمثلت في::
الرافد الداخلي:ويقصد به انتشار السلفية بين أبناء الطبقة الوسطي المصرية نتيجة العمل والسفر والتعليم في الخليج – السعودية والكويت خاصة- وهو ما جعل الممارسات السلفية اليومية أمرا مرغوباً داخل هذه القطاعات، بعد أن صارت دالة علي التميز وتعزيز المكانة الاجتماعية للقادمين من السفر
الرافد الخارجي: يتمثل في برامج صناديق التنمية الخليجية الموجهة للعمل الخيري في مصر، واختيار الجمعيات السلفية، لتنفيذ هذه البرامج، بعد فك الارتباط بين الدول الخليجية والعناصر الإخوانية، كرد فعل لموقف الإخوان من حرب تحرير الكويت. وترتب عليه أيضا توجه المبادرات الفردية الخارجية من الأثرياء العرب، لإقامة مشروعات خيرية في مصر، تحت إدارة الجمعيات السلفية
الرافد الإعلامي الفضائي: ويتمثل في بث القنوات الفضائية الاسلامية التي تستحوذ علي نسبة مشاهدة عالية تقدم للمشاهد العادي، حلولا في شتي مناحي الحياة، مصحوبة بالتأكيد علي الرؤية السلفية التي تنطلق منها هذه الحلول.
الرافد السياسي والأمني: تخفيف المتابعة الأمنية في ظل محاولة من الحزب الحاكم، لإيجاد بدائل إسلامية منافسة للإخوان، وإلغاء احتكار الإخوان لشعار (الإسلام هو الحل). بالاضافة الى التحالف المصري-السعودي لمواجهة التأثير الإيراني الشيعي، عن طريق تشجيع التيار السلفي المعروف بعدائه الإيديولوجي للمذهب الشيعي
.
تقسيمات السلفيين:
يمكن الحديث عن تقسم (فكري) وآخر (تنظيمي) بين التيارات السلفية :
وفقا للتقسيم الفكري ينقسم السلفيون إلي ثلاثة فرق :
(الأولي) : السلفية العلمية (الدعوة السلفية)
نشات في منتصف السبعينات بواسطة مجموعة من قادة الحركة الطلابية الإسلامية في عدد من جامعات مصر وكان ثقلها الرئيسي في جامعة الإسكندرية
و”الدعوة السلفية” منتشرة في كل أنحاء مصر ولها أتباع كثيرون لكنهم ليسوا تنظيما هرميا متماسكا مثل الإخوان المسلمين بل يغلب عليهم التفرق لمجموعات يتبع كل منها شيخ من المشايخ لكن مشايخها متعاونون بدرجة كبيرة جدا، ومن مشايخها المشهورين محمد حسان وحاليا لها تنظيم مشهور بصورة أكبر.
(الثانية) : السلفية الحركية
في ذات الوقت الذي نشأت فيه الدعوة السلفية في الإسكندرية، كان هناك في حي شبرا في القاهرة مجموعة من الشباب شكلت تيارا آخر، أطلق عليه فيما بعد: السلفية الحركية.
ومنهج السلفية الحركية يكاد يتطابق مع منهج الدعوة السلفية (مدرسة الإسكندرية)، والسلفيون الحركيون يكفرون الحاكم إذا لم يحكم بما أنزل الله، ويجهرون بذلك في خطابهم الدعوي، وينتقدون انتشار المحرمات في المجتمعات الإسلامية الحالية من تبرج وسفور ومعاص ويعتبرونها من الجاهلية، لكن لا يكفر بها، ويرون أن أي انحراف عن الشريعة بزيادة أو نقصان فهو أمر الكفر، وما خالف الإسلام فهو جاهلية بدون تكفير .
كما يعتقدون بحرمة المشاركة في المجالس النيابية؛ لأنها تتحاكم إلى غير شرع الله، وتجعل الدستور الذي وضعته حاكما لشريعة الله عز وجل وهذا كفر .
ويتفق السلفيون الحركيون مع سلفية الإسكندرية ومع جماعة أنصار السنة في مشروعية العمل الجماعي بضوابط وشروط، منها: عدم التحزب أو التعصب لفكرة بعينها -غير كلام الله ورسوله- فالسلفية الحركية ترفض تكوين جماعة خاصة بهم؛ كي لا تزيد افتراق الأمة، لكن تشجع أتباعها على التعاون مع جميع الجماعات العاملة على الساحة فيما اتفقوا عليه، وتعتزلهم فيما تفرقوا فيه وفرقوا الأمة بسببه؛ ولذلك فلا يرفض هؤلاء السلفيون العمل مع أي جماعة أو تنظيم أراد أن يقيم دولة الإسلام، أو أن يعيد دولة الخلافة، ومن هنا تأتي تسمية هذا التيار بالحركي.
(الثالثة) : السلفية الجهادية
السلفية الجهادية هو مصطلح يطلق على بعض جماعات الإسلام السياسي والتي تتبنى العنف منهجا للتغيير، وتقول إنها تتبع منهج سلف المسلمين وأن الجهاد أحد أركانه، وأنه يجب عليهم محاربة الحكومات والحكام الذين لا يحكمون بالشريعة الإسلامية ولا يطبقون مبدأ الحاكمية لله وأيضا الذين يتحالفون مع الدول غير المسلمة والتي تحارب المسلمين وتحتل أراضيهم.
وقد بدأت هذه السلفية الجهادية بقتال حكوماتها في العالم العربي ثم انتقلت لمحاربة الغرب بعدما فشلت في معركتها الداخلية .
ومن أبرز هذه الحركات تنظيم القاعدة بفروعه حول العالم وتنظيم الجهاد الإسلامي في مصر والجماعة الإسلامية في مصر (قبل أن يقوما بمراجعات فكرية تتراجع عن استخدام العنف ضد الدولة والحكام )،
وفيما يتعلق بـ(التنظيم) ينقسم السلفيون في مصر إلى عدة تنظيمات وتقسيمات أبرزها:
1-الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية» والتي أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي عام 1912 بهدف إعادة الشريعة الإسلامية للحياة العامة بعدما رأى أنها غابت بسبب الاحتلال الانجليزي لمصر في ذلك الوقت.
وتفضل الجماعة عدم العمل بالسياسة تطبيقا لمبدأ الشيخ السبكي بالعمل الجماعي المنظم البعيد عن السياسة، والعمل بمبدأ «الانشغال بالسياسة وعدم الاشتغال بها»
2- جماعة أنصار السنة المحمدية» التي ظهرت في القاهرة على يد الشيخ محمد حامد الفقي، أحد علماء الأزهر، وكان يدعو إلى التوحيد الخالص والدفاع عن السنة، والدعوة إلى صحيح السنة بفهم السلف الصالح، وإرشاد الناس إلى نصوص الكتاب، والدعوة إلى مجانبة البدع والخرافات ومحدثات الأمور، كما تدعو إلى أن الإسلام دين ودولة، وعبادة وحكم.
3-تيار السلفية «الوهابية» أو (المخرجية) التي نشأت في المملكة العربية السعودية ، ودخلت مصر مع عودة المصريين العاملين في الخليج بعد حرب الخليج الثانية عام 1991.
4-تيار «الدعوة السلفية» التي أنشأها مجموعة من قادة الحركة الطلابية الإسلامية في الجامعات المصرية في منتصف السبعينات من القرن الماضي، وكان مركزها في جامعة الإسكندرية ورفض قادتها الانضمام للإخوان المسلمين، وأطلقوا على أنفسهم اسم «المدرسة السلفية» ثم «الدعوة السلفية» بعدما زاد أنصارهم وانتشروا في كل محافظات مصر.
5-”السلفيون المستقلون” الذين لا يجمعهم تنظيم معين ولا يسعون لذلك، ويجمعهم فقط حبهم لشيخ معين يتتلمذون على يديه، ويتفاوت عدد الأتباع أو التلاميذ من شيخ إلى آخر حسب نجاح الشيخ وشهرته في مجال الدعوة.
ويؤمن أتباع هذا التيار بالتغيير القاعدي؛ عملا بالآية الكريمة: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفسهِمْ»، كما يدعون، مثل بقية التيارات السلفية، إلى تنقية الدين من البدع وطور أصحاب هذا التيار من وسائل دعايتهم من الخطابة وإلقاء الدروس في المساجد إلى القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت؛ الأمر الذي ساعد على انتشارهم وزيادة أتباعهم.
وساهم في ظهور هذا التيار على المسرح السياسي بقوة، وجود الشيخ محمد حسان في ميدان التحرير خلال أحداث ثورة 25 يناير، كما لعبوا دورا مهما في حشد أتباعهم للتصويت بالموافقة على التعديلات الدستورية التي جرى الاستفتاء عليها في مصر مؤخرا، وهو الاستفتاء الذي تسبب في أزمة أخرى، عندما وصف الشيخ محمد حسين يعقوب في إحدى خطبه ما حدث بأنه انتصار في (غزوة الصناديق) . وبعض قادة هذا التيار لا يمانع من المشاركة في التصويت في الانتخابات النيابية وغيرها من أنواع الانتخابات لدعم محاولات الإصلاح وهم في ذلك يتفقون مع منهج الإخوان المسلمين.
الفارق بين السلفية والوهابية:
مصطلح الوهابية يعود إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية، وهي حركة تختلف عن الحركة السلفية المصرية ولكن بعض الوهابيين يشجعون الخلط بين السلفية والوهابية عن عمد لأن كلمة (الوهابية) تقف عند محمد بن عبد الوهاب فاستبدلوه بـ(السلفية) ليوحوا للناس بصلتهم الممتدة بالسلف الصالح وأنهم أمناء على العقيدة السلفية.
الفارق بين السلفية والاخوان:
الإخوان يصفون أنفسهم بأنهم جمعية دعوية وحركة سياسية معا، ولهذا يعتبرون العمل السياسي جزءا من العمل الدعوي لكن السلفيون يرون أن العمل بالسياسة مخالف للعمل الدعوي ولا يفضلون العمل السياسي، كما أنهم يعتبرون الأحزاب بدعة ولا يؤمنون سوي بضرورة أن تٌحكم الدولة الاسلامية بالشريعة .
السلفيون والصوفيون:
الحرب بين الصوفية و السلفيين لا تنتهي أبدا وحالة الخصومة بين الطرفين تصل إلى حد قيام بعض الصوفية والسلفيين بتكفير كل طرف للآخر.
اتجاهات السلفيين بعد ثورة 25 يناير
الاتجاه الأول : هو بقاء قسم كبير في مجال الدعوة ولا يمارس السياسة بشكل مباشر ويكتفي بصنع وتأييد بعض السياسات التي تخدم رؤيته لقيام الدولة الإسلامية .
الاتجاه الثاني : انضمام جزء من السلفيين لأي حزب من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي والتي أعلن عنها للعمل السياسي تحت رايته وفق برنامج عمل متفق عليه مسبقا وذلك بصورة منفردة كأشخاص وليس كتنظيم .
الاتجاه الثالث : تأسيس حزب يمثل السلفيين ،وقد أطلق التيار السلفي في مصر “حزب النور”الذي أكد برنامجه على الالتزام بالمرجعية العليا للشريعة الإسلامية، وتأمين الحرية الدينية للأقباط، وإثبات حقهم فى الاحتكام إلى ديانتهم فى أمور العقيدة والأحكام التى يوجد فيها اختلاف عن أحكام الشريعة الإسلامية،كما أكد على حق الشعب فى حرية تكوين أحزاب سياسية، وكفالة حرية الأحزاب فى ممارسة نشاطاتها فى ضوء الالتزام بالدستور، وثوابت الأمة، والتداول السلمى للسلطة عبر انتخابات حرة مباشرة ونزيهة، وحرية الشعب فى اختيار نوابه وحكامه، ومراقبة الحكومة ومحاسبتها، وعزلها إذا ثبت انحرافها .
الاتجاه الرابع : الاتجاه للعنف وهو الاتجاه الأقل عددا، والعنف المقصود لا يقتصر على العنف المادي فقط بل يمتد للمغالاة من قبل البعض في التشدد الفكري والاعتماد على بعض التراث الفقهي والفكري المُبرر لعنفهم المادي.
الرأي العربي 30 يوليو 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق