الأحد، 18 ديسمبر 2016

مزيد من الحرية .... قليل من التطرف

لا يختلف انسان على بشاعة الحادث الارهابي الذي تعرضت له الكنيسة البطرسية بالعباسية يوم الأحد الماضي.
مواطنون مصريون عزل يؤدون صلاتهم في مكان عبادتهم ليأتي شاب في ربيع عمره ومقتبل حياته يحكم على نفسه وعليهم بالموت.
عمل لاتقل غرابته عن بشاعته
ماذا دفع هذا الشاب للانتحار؟ أي معتقد أمره بأن يقدم على التضحية بحياته ليقتل أبرياء لا تربط بينه وبينهم أية علاقة وربما لم يرهم من قبل؟؟؟
وماالذي يجب علينا عمله لنتجنب تكرار مثل هذا الفعل؟
الغريب أنني سمعت اجابة هذا السؤال في كثير من الفضائيات وكلها تتطابق في تقديم الحل:تغيير الدستور،التوسع في المحاكمات العسكرية للمدنيين ،اغلاق معبر رفح !!!!
لا أعرف أي دستور يمكنه أن يثني مثل هذا الشاب عن قتل نفسه وقتل غيره؟
أية محاكمات عسكرية يمكنها تقديم أحكام أشد مما حكم به هو على نفسه؟
الشاب حكم على نفسه بالموت ،وضع دستوره وقوانينه الخاصة به وحكم بموجبها على نفسه وغيره بالقتل، ولم يترك لنا فرصة محاسبته.
الشاب تمت ادانته من قبل ، قُبض عليه منذ عامين وبحوزته قنبلة ،ماذا فعلنا معه؟
ماذا فعلنا مع كل الشباب الذين تم القبض عليهم في أحداث عنف؟
هناك من تم حبسه وقضى فترة العقوبة وهناك من تم الافراج عنه .
يجب ألا نتعامل مع هؤلاء من منطلق قانوني فقط ،هؤلاء مرضى يحملون أفكارا تدين المجتمع ،علينا التعامل مع هذه الأفكار ليس بكبتها والقضاء على من يحملها وليس بالتفتيش في العقول  وتغليظ العقوبة على من يخالفنا الرأي ،بل بالاحتواء واعادة تأهيل هؤلاء الشباب .
نبحث في أسباب كراهيتهم لمجتمعهم وانفصالهم عنه ،وكيف استقطبهم شيوخهم واستطاعوا السيطرة عليهم الى حد جعلهم يستهينون بالحياة نفسها.
هؤلاء الشباب انتموا لمن أشعرهم بأهميتهم ،لمن أعطاهم معنى لوجودهم وأملا حتى لو كان هذا الأمل يتحقق بالموت.
علينا أن نحاسب أنفسنا أولا لنعرف لماذا فرطنا في هؤلاء الشباب وكيف تركناهم عزل لا يقدرون على مواجهة مثل تلك الأفكار الهادمة ،وعندها سنعرف كيف يمكننا استعادة هؤلاء ،ليس بالمحاكمات العسكرية ولا باغلاق معبر رفح وليس بازدراء حقوق الانسان كما يروج شياطين الفضائيات ولكن باعلاء قيمة الانسان وارساء مبادئ حرية الفكر والعقيدة .
ماذا يميزنا عن الارهابي اذا كنا سنكفرمثله بالحرية وبالانسان ؟
العنف في مواجهة الأفكار يزيدها قوة وقتل صاحب الفكرة أو التنكيل به يدعم فكرته وينشرها ،وعلى مر العصوركانت المجتمعات المنغلقة  والسجون بيئة خصبة لانتشار الأفكار المتطرفة ،التي يظهر تهافتها وضعفها بمجرد خروجها للنور.

فالأفكار المتطرفة كالفيروسات لا تنتشر الا في الأماكن المغلقة ،والفكر الحر هو وحده القادر على تحصين صاحبه ضد التطرف.

نشر بموقع الطريق في 15 ديسمبر 2016

أنا الوطن والوطن أنا


"أنا الدولة والدولة أنا"
قول مشهور ينسب للملك الفرنسي لويس الرابع عشر الذي تولى حكم فرنسا منذ 1643 و حتى 1715.
عبارة بسيطة موجزة تختصر فلسفة حكم الفرد وتبرر كل مايقوم به الحاكم من قمع وتنكيل بمعارضيه ،فالحاكم هو الدولة ،ومعارضته خيانة ،ومحاولة انهاء حكمه هدم لكيان الدولة.
فالحاكم والنظام السياسي والدولة كيان واحد لايمكن تجزئته ،الحاكم هو النظام والنظام هو الدولة.
واذا كان هذا هو الفكر السياسي الذي حكم فرنسا قديما الا أنه لازال سائدا عند أغلب حكام العالم الثالث ،بل ان العبارة تتحول الى :"أنا الوطن والوطن أنا".
وعندها يصبح الحاكم وحاشيته و كل ما يتعلق برجال الدولة خطاً أحمر لا يجب الإقتراب منه ،  فيصبح كل من ينتقد الحاكم أو يقف في وجهه أو يعترض على قراراته و يخالفه في رأيه ،  خائنا للوطن يجب القصاص منه ومن كل من يعاونه بل ومن يرضى عن أفعاله.
وفي أوقات الأزمات ـوهي دائمة في بلادناـ تزداد قابلية الشعوب لتصديق هذه المزاعم ،ويصبح الدفاع عن الحاكم دفاعا عن الوطن ،والولاء له مرادفا لمعنى الوطنية.
ولكن في الواقع يجب  التمييز بين الدولة والحكومة، فمفهوم الدولة أكثر اتساعا من الحكومة، الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجتمع وأفراده بوصفهم مواطنين، وهو ما يعني أن الحكومة ليست إلا جزءا من الدولة. فالحكومة هي الوسيلة التي تمكن الدولة من أداء مهامها ، الدولة كيان له صفة البقاء والاستمرار بينما الحكومة مؤقتة بطبيعتها ، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، ولكن تبقى الدولة.
اسقاط الحكومة وتغييرها بالطرق السلمية هى أحد الاستحقاقات الديمقراطية وقواعدها التى يجب التسليم بها ولكن ليس من حق أى فصيل سياسى أن يسعى لإسقاط الدولة تحت أي مسمى.
ويجب أن تنتمي مؤسسات الدولة للشعب وليس للنظام السياسي ،الشرطة لأمن المواطن، والجيش لأمن الوطن، والقضاء يحكم بالعدل فلا تتحول أحكامه أداة للانتقام وتصفية الحسابات.
فالدولة هي القانون. والنظام هو السياسة ،واذا اختلط المفهومان فقد القانون قدرته على تأمين المساواة والعدل في المجتمع.  وهنا يستعير النظام من الدولة مؤسساتها الأمنية، ليفرض بالقوة سلطته وهيمنته على المجتمع.

خلط المفاهيم بين الحاكم والوطن والدولة والنظام لن يحمي الحاكم ونظامه لكنه سيفقد الدولة هيبتها والوطن قدسيته