بحثا عن الأمان
هذه قصة مشتركة تقاسمت كتابتها مع زميلي العزيز: يوسف هريمة
بقلم يوسف هريمة ومنى شماخلم تكن مثل سائر الفتيات
هذا ليس قولها عن نفسها ،لكنه ما يقال عنها
وما كانت تشعر به عندما تستمع لأحاديث زميلاتها
أحاديث الآمال والأحلام لكل منهن وما تريده للمستقبل:
فتى الأحلام الوسيم ،الثري هو القاسم المشترك لكل أحلام الفتيات في مثل عمرها
أما هي فلم يكن لها الا حلما واحدا:أن تشعر ب "الأمان"؟
انها حتى لا تعرف معناه ، لكن كل ما تستطيع قوله أنه ذلك الشعور الذي لم تجربه قط
عاشت سنوات عمرها القليلة بين منزل أبويها ومنزل جدتها
لم تكن تذهب لمنزل الجدة في زيارة ، لكنها تذهب مع أمها عندما "يطردهما "والدها أثر مشاجرة "من طرف واحد"مع الأم
كان أبوها سريع الغضب أو ربما كان الغضب هو الحالة الطبيعية له
ما ان يبدأ الحديث مع الأم حتى يبدأ السباب والشجار وينتهي الأمر بطردهما من المنزل
بعد أيام يتدخل الأقارب للمصالحة ، نفس الكلمات تسمعها كل مرة:
المرأة ليس لها مكان الا بيت زوجها
الطلاق كلمة لم نسمعها في العائلة من قبل
اصبري "ظل رجل ولا ظل حائط"
لم يستطع عقلها الصغير فهم العلاقة بين هذه الكلمات واقتناع أمها بالعودة للمنزل
لكنها كانت تدرك أن الأمر لا بد سيتكرر وتدور الدائرة مرة أخرى
لا شك أنه "الأمان"شئ يختلف عن كل ذلك
يختلف عن تلك النظرة التي تجدها في عيني أمها عندما ترى والدها
يختلف عن ذلك الاحساس الذي تشعر به عندما تعود لمنزلها كل مرة
حتى جاء ذلك اليوم....
الأستاذ......مدرس اللغة العربية الجديد
لم ترفع عينيها لتنظر فالأمر لا يعدو اختلاف أسماء
مزيد من الحصص المملة والكلمات الجوفاء
لم تتحمس يوما للدراسة بل لم تتحمس لشئ قط
لم تتميز بالتفوق ولا حتى بعدمه لكنها كانت تحفظ ما يلقى اليها من كلمات لتعيد كتابته في ورقة الاجابة
بدأ الأستاذ الجديد عمله
لدهشتها وجدت أنها تنتبه لكل كلمة يتلفظ بها
صوته الهادئ ، نظراته الحانية
كل ما تشعر به الآن يختلف عن........
لا .....هذه المرة لم يختلف .....انه هو.....ذلك الشعور الذي طالما تمنته، وداعب خيالها وأحلامها
تلك النظرة التي لم ترها قط سوى في عينيه
-ما اسمك؟
سؤال تردد على مسامعها عدد أيام عمرها ، لكنها لم تجب عنه أبدا كما أجابت في تلك اللحظة
لا لم تكن حروف اسمها هي ما قالته لكنه كيانها وذاتها صاغتهما من جديد
-اسمي......
سألها أن تعيد ما قاله
تلعثمت واضطربت كعادتها عندما تجيب على الأسئلة الشفهية
لكنها نظرت في عينيه ، فانسابت الكلمات بين شفتيها هادئة كأنها كلماته هو
شعور غريب عانق قلبها لم تدرك أبعاده إلا وهي ترنو بعينيها إلى حركات الأستاذ يخطو نحوها في خطوات تضرب بوقعها في عمقٍ فقد" الأمان "، أو يغازل كلمة وعبارة لا تستطيع فك رموزها، أو يرسم على وجهه ابتسامة غيث في سماء جفت أمطارها عن السقاء.
" ما بك يا خجولة... " كلمات تتردد على مسامعها كلما عجز لسانها أن يفرح بإجابة لا تجاوز الحنجرة، قلق...خوف...رعشة ...ما كانت تشعر به عيناها وهي ترقب خروج الأستاذ الجديد على أمل لقاء جديد ودرس جديد في رحلة البحث عن حروف أمان ضلت طريقها إليها، وتخشى أن يتبخر الحلم بالوصال وترجع ريما إلى عادتها القديمة... كما كانت تحدث نفسها.
" تحتاجين إلى دروس دعم وتقوية "... هكذا كان مطلع قصيدة يقرأ أبياتها الأستاذ ويحفرها في ذاكرة أعياها الزمان أن تستوعب فصول مسرحية بدايتها البيت، ونهايتها فصل وأستاذ يضع اللبنة الخاتمة في جدار متهاوي.
من أين لي أن أجلب النقود...؟؟؟
هل أقول لماما بله بابا...؟؟؟
ذاكرتي ضعيفة...لا أستطيع أن أستوعب أكثر... غير قادرة على الحفظ...
تستوي المعادلة الممزوجة بقلة ذات اليد والأفق المسدود ببراثن الواقع، فقررت تحرير لسانها من قيد ظل يحيط بمعصم بريء علها تجد جوابا عن سؤال" الأمان "...
" ما معيش فلوس وعاوزة دروس..."، تلقف الأستاذ كلماتها المتلعثمة كي لا تسقط قريبا من مسامع الزملاء والتلاميذ، وبوجه تملأه الرغبة نطق الصمت من وراء حجاب:" بعدين أشوف..."
مضت الأيام ونظراته الحانية تحكم الحصار حولها
تنتظر اللحظات التي تنفرد فيها معه بعد الحصص متعللة بحاجتها لاعادة الشرح
-اقترب موعد الامتحان ،تحتاجين مجهودا اضافيا،هذا عنواني ،سأنتظرك بعد المدرسة
أمسكت بالورقة التي كتب بها العنوان ،أحست أنها تمسك بقارب النجاة،لن ترفض الدعوة
لم تفكر كثيرا فيما ستقوله لأبيها أو أمها ، لم يشعرا بوجودها قط ، فماذا يضيرهما لو لم تكن موجودة؟
لم تذهب لمنزلها ، انها لم تشعر
قط انه كذلك ، لم تشعر يوما أن له جدران
اتجهت لعنوان أستاذها ....هناك ستجد من ينتظرها ، من يشعر بوجودها ، بل من سيهبها هذا الوجود
أسرعت الخطى حتى خيل اليها أنها تعدو بل خيل اليها أنها تحلق في السماء
لم تقف طويلا أمام الباب وجدت أستاذها أمامها ، ربما سمع دقات قلبها قبل أن تدق يدها الباب
دخلت بخطى الخجل وعيناها تحلقان في مكان يملأه الصمت، هاهي دفاتر مبعثرة تلملمها الجراح، وذاك فراش قد ضاقت به وحدة الأستاذ.
" تفضلي... اجلسي..." عبارات ترحيب طالما سمعت حروفها ولم تعزف على وترها الحساس، ولكن حروفها الآن تنقش على الوجه بسمة البراءة وتحرك اللسان لينطق دون أن يفكر " شكرا أستاذ...".
طلب منها الجلوس على كرسي بعد أن يحضر لها مشروبا بمناسبة زيارتها السعيدة، لم تتوقف عيناها على مداعبة الحيطان، ترسم كل عبارة وكل كلمة بوجه صبوح وهي تلامس من بعيد فراشا مبعثر على جنبات بيت.
حضر المشروب وحضرت البسمة والتقت عين تبحث عن الأمان بعين تغازل جسدا يصدح بالجراح، تارة تحلق في قوام جميل، وتارة تشدو بلحن طفولة اغتصبتها يد القدر. ظلت تنتظر إذن الأستاذ ببدء رحلة الدعم والتقوية والشوق يحملها إلى حركاته وهمساته وألحان كلماته بحثا عن رغبة دفينة حتى أغشاها صوت نوم عميق.
لم تستفق إلا على إيقاعات حزينة ودم الغدر يسيل بمستنقع العربان.
" أين أنا...؟؟؟" " ماذا فعلت...؟؟؟" صفعات أسئلة ممزوجة بألم البحث...لملمت جراحها ومسحت دموع الندم، وقررت أن تبحث عن حلم" الأمان " بعيدا عن قدسية الأهل وحرمة المدرسة. خرجت للشارع ترافق حزنها ولم تفهم من درس الدعم والتقوية غير بيت واحد في قصيدة الدهر:" في بلاد العربان ينعدم الأمان..."
بقلم يوسف هريمة ومنى شماخلم تكن مثل سائر الفتيات
هذا ليس قولها عن نفسها ،لكنه ما يقال عنها
وما كانت تشعر به عندما تستمع لأحاديث زميلاتها
أحاديث الآمال والأحلام لكل منهن وما تريده للمستقبل:
فتى الأحلام الوسيم ،الثري هو القاسم المشترك لكل أحلام الفتيات في مثل عمرها
أما هي فلم يكن لها الا حلما واحدا:أن تشعر ب "الأمان"؟
انها حتى لا تعرف معناه ، لكن كل ما تستطيع قوله أنه ذلك الشعور الذي لم تجربه قط
عاشت سنوات عمرها القليلة بين منزل أبويها ومنزل جدتها
لم تكن تذهب لمنزل الجدة في زيارة ، لكنها تذهب مع أمها عندما "يطردهما "والدها أثر مشاجرة "من طرف واحد"مع الأم
كان أبوها سريع الغضب أو ربما كان الغضب هو الحالة الطبيعية له
ما ان يبدأ الحديث مع الأم حتى يبدأ السباب والشجار وينتهي الأمر بطردهما من المنزل
بعد أيام يتدخل الأقارب للمصالحة ، نفس الكلمات تسمعها كل مرة:
المرأة ليس لها مكان الا بيت زوجها
الطلاق كلمة لم نسمعها في العائلة من قبل
اصبري "ظل رجل ولا ظل حائط"
لم يستطع عقلها الصغير فهم العلاقة بين هذه الكلمات واقتناع أمها بالعودة للمنزل
لكنها كانت تدرك أن الأمر لا بد سيتكرر وتدور الدائرة مرة أخرى
لا شك أنه "الأمان"شئ يختلف عن كل ذلك
يختلف عن تلك النظرة التي تجدها في عيني أمها عندما ترى والدها
يختلف عن ذلك الاحساس الذي تشعر به عندما تعود لمنزلها كل مرة
حتى جاء ذلك اليوم....
الأستاذ......مدرس اللغة العربية الجديد
لم ترفع عينيها لتنظر فالأمر لا يعدو اختلاف أسماء
مزيد من الحصص المملة والكلمات الجوفاء
لم تتحمس يوما للدراسة بل لم تتحمس لشئ قط
لم تتميز بالتفوق ولا حتى بعدمه لكنها كانت تحفظ ما يلقى اليها من كلمات لتعيد كتابته في ورقة الاجابة
بدأ الأستاذ الجديد عمله
لدهشتها وجدت أنها تنتبه لكل كلمة يتلفظ بها
صوته الهادئ ، نظراته الحانية
كل ما تشعر به الآن يختلف عن........
لا .....هذه المرة لم يختلف .....انه هو.....ذلك الشعور الذي طالما تمنته، وداعب خيالها وأحلامها
تلك النظرة التي لم ترها قط سوى في عينيه
-ما اسمك؟
سؤال تردد على مسامعها عدد أيام عمرها ، لكنها لم تجب عنه أبدا كما أجابت في تلك اللحظة
لا لم تكن حروف اسمها هي ما قالته لكنه كيانها وذاتها صاغتهما من جديد
-اسمي......
سألها أن تعيد ما قاله
تلعثمت واضطربت كعادتها عندما تجيب على الأسئلة الشفهية
لكنها نظرت في عينيه ، فانسابت الكلمات بين شفتيها هادئة كأنها كلماته هو
شعور غريب عانق قلبها لم تدرك أبعاده إلا وهي ترنو بعينيها إلى حركات الأستاذ يخطو نحوها في خطوات تضرب بوقعها في عمقٍ فقد" الأمان "، أو يغازل كلمة وعبارة لا تستطيع فك رموزها، أو يرسم على وجهه ابتسامة غيث في سماء جفت أمطارها عن السقاء.
" ما بك يا خجولة... " كلمات تتردد على مسامعها كلما عجز لسانها أن يفرح بإجابة لا تجاوز الحنجرة، قلق...خوف...رعشة ...ما كانت تشعر به عيناها وهي ترقب خروج الأستاذ الجديد على أمل لقاء جديد ودرس جديد في رحلة البحث عن حروف أمان ضلت طريقها إليها، وتخشى أن يتبخر الحلم بالوصال وترجع ريما إلى عادتها القديمة... كما كانت تحدث نفسها.
" تحتاجين إلى دروس دعم وتقوية "... هكذا كان مطلع قصيدة يقرأ أبياتها الأستاذ ويحفرها في ذاكرة أعياها الزمان أن تستوعب فصول مسرحية بدايتها البيت، ونهايتها فصل وأستاذ يضع اللبنة الخاتمة في جدار متهاوي.
من أين لي أن أجلب النقود...؟؟؟
هل أقول لماما بله بابا...؟؟؟
ذاكرتي ضعيفة...لا أستطيع أن أستوعب أكثر... غير قادرة على الحفظ...
تستوي المعادلة الممزوجة بقلة ذات اليد والأفق المسدود ببراثن الواقع، فقررت تحرير لسانها من قيد ظل يحيط بمعصم بريء علها تجد جوابا عن سؤال" الأمان "...
" ما معيش فلوس وعاوزة دروس..."، تلقف الأستاذ كلماتها المتلعثمة كي لا تسقط قريبا من مسامع الزملاء والتلاميذ، وبوجه تملأه الرغبة نطق الصمت من وراء حجاب:" بعدين أشوف..."
مضت الأيام ونظراته الحانية تحكم الحصار حولها
تنتظر اللحظات التي تنفرد فيها معه بعد الحصص متعللة بحاجتها لاعادة الشرح
-اقترب موعد الامتحان ،تحتاجين مجهودا اضافيا،هذا عنواني ،سأنتظرك بعد المدرسة
أمسكت بالورقة التي كتب بها العنوان ،أحست أنها تمسك بقارب النجاة،لن ترفض الدعوة
لم تفكر كثيرا فيما ستقوله لأبيها أو أمها ، لم يشعرا بوجودها قط ، فماذا يضيرهما لو لم تكن موجودة؟
لم تذهب لمنزلها ، انها لم تشعر
قط انه كذلك ، لم تشعر يوما أن له جدران
اتجهت لعنوان أستاذها ....هناك ستجد من ينتظرها ، من يشعر بوجودها ، بل من سيهبها هذا الوجود
أسرعت الخطى حتى خيل اليها أنها تعدو بل خيل اليها أنها تحلق في السماء
لم تقف طويلا أمام الباب وجدت أستاذها أمامها ، ربما سمع دقات قلبها قبل أن تدق يدها الباب
دخلت بخطى الخجل وعيناها تحلقان في مكان يملأه الصمت، هاهي دفاتر مبعثرة تلملمها الجراح، وذاك فراش قد ضاقت به وحدة الأستاذ.
" تفضلي... اجلسي..." عبارات ترحيب طالما سمعت حروفها ولم تعزف على وترها الحساس، ولكن حروفها الآن تنقش على الوجه بسمة البراءة وتحرك اللسان لينطق دون أن يفكر " شكرا أستاذ...".
طلب منها الجلوس على كرسي بعد أن يحضر لها مشروبا بمناسبة زيارتها السعيدة، لم تتوقف عيناها على مداعبة الحيطان، ترسم كل عبارة وكل كلمة بوجه صبوح وهي تلامس من بعيد فراشا مبعثر على جنبات بيت.
حضر المشروب وحضرت البسمة والتقت عين تبحث عن الأمان بعين تغازل جسدا يصدح بالجراح، تارة تحلق في قوام جميل، وتارة تشدو بلحن طفولة اغتصبتها يد القدر. ظلت تنتظر إذن الأستاذ ببدء رحلة الدعم والتقوية والشوق يحملها إلى حركاته وهمساته وألحان كلماته بحثا عن رغبة دفينة حتى أغشاها صوت نوم عميق.
لم تستفق إلا على إيقاعات حزينة ودم الغدر يسيل بمستنقع العربان.
" أين أنا...؟؟؟" " ماذا فعلت...؟؟؟" صفعات أسئلة ممزوجة بألم البحث...لملمت جراحها ومسحت دموع الندم، وقررت أن تبحث عن حلم" الأمان " بعيدا عن قدسية الأهل وحرمة المدرسة. خرجت للشارع ترافق حزنها ولم تفهم من درس الدعم والتقوية غير بيت واحد في قصيدة الدهر:" في بلاد العربان ينعدم الأمان..."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق