الخميس، 20 أكتوبر 2016

"المؤسسة العسكرية" دولة في "شبه دولة


"القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، والدولة وحدها هى 
التى تنشئ هذه القوات."
هذا مانص عليه الدستور المصري في تحديد مهمة القوات المسلحة
وهذا هو المتعارف عليه في العالم أجمع
القوات المسلحة دعامة أساسية وركيزة هامة لكل دولة ،لكن لايمكن اخراجها عن دورها الذي أقره الدستور ولا يمكن أن تحل محل مؤسسات الدولة الأخرى.
القوات المسلحة ليست هي الدولة ولا يمكن أن تقوم بدورها .
وزارة الدفاع من أهم الوزارات لكن لايمكن أن تحل محل وزارة أخرى ،فمن غير المنطقي أن تقوم وزارة الدفاع بعمل وزارة التموين أو وزارة المواصلات ،وأخيرا وليس آخرا وزارة الصحة.
وربما يرى البعض أن المؤسسة العسكرية هي المؤسسة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها وأنها– وحدها –من تستطيع انجاز المهام التي توكل اليها على أفضل وجه .
نعم هذه حقيقة ،ولكن لماذا؟
لماذا تنجح القوات المسلحة فيما تعجز عنه باقي مؤسسات الدولة ووزاراتها؟
ببساطة :لأنها تملك من الامكانات مالاتملكه  الدولة .
فهل يستمر اضعاف مؤسسات الدولة لصالح المؤسسة العسكرية  ؟
هل يمكن أن تقوى المؤسسة العسكرية اذا استمر الزج بها في أعمال بعيدة عن طبيعتها وعن  دورها الأساسي ؟
هل يمكن بناء جيش قوي دون استكمال بناء باقي مؤسسات الدولة؟
أعلم أن تساؤلاتي ستثير غضب البعض ،وبالطبع ستكال لي الاتهامات بعدم الوطنية وبالاشتراك في المؤامرة الكونية التي تدار ضد قواتنا المسلحة .
لكني أؤكد أن المطالبة باحداث توازن بين مؤسسات الدولة يدعم تلك المؤسسات ولا يضعفها ،وأن الدولة القوية بكل مؤسساتها هي التي يمكنها الوقوف في وجه المؤامرات .
أما شبه الدولة فلايمكنها بناء جيش قوي مهما منحته من امتيازات على حساب باقي مؤسساتها .
البحث العلمي لايقل أهمية عن التسليح ،ودور وزارة الصحة في الحفاظ على حياة المواطن لايقل أهمية عن دور الأمن .

المؤسسات الضعيفة يجب أن تجد دعما ومسانده من الدولة لا أن يسند دورها للمؤسسة العسكرية، فالدولة كيان متكامل لا يستقيم الا باحداث توازن بين أركانه.

نشر بموقع الطريق 3 سبتمبر 2016

وزارة الامتحانات


يظل موضوع الثانوية العامة من أكثر الموضوعات أهمية واثارة للقلق والجدل في البيت المصري ،وجاءت "كارثة" تسريب الامتحانات لتضيف المزيد من التحديات والأعباء على الطلبة وأسرهم والمسؤولين عن التعليم  حتى أشيع أن الامتحانات ستتم باشراف جهات سيادية وبتأمين من وزارة الدفاع.
وهنا وصل العبث الى ذروته ،وبدلا من البحث عن اصل الداء بحثنا عن علاج العرض
اعتبرنا تسريب نموذج الاجابة جريمة ،رغم أن الجريمة هي وجود مثل هذا النموذج
اعتبرنا تسريب الامتحان افسادا للعملية التعليمية وكان الأجدر أن نتساءل ماذا يضيف هذا الامتحان للعملية التعليمية؟
بل نتساءل أولا عن هدف العملية التعليمية أو فلسفة التعليم في مصر
واعني بالفلسفة القصد من العملية التعليمية كلها.. وهل نعلم أولادنا لنملأ عقولهم بالمعلومات، ام ليناقشوا وينقدوا ويخرجوا مما تعلموا بنتائج جديدة تضيف لحياتهم وحياتنا؟
العملية التعليمية في مصر تقوم على عملية تلقين وحفظ فهي عملية ملء عقول الطلاب بمعلومات وأحكام جاهزة وليست عملية ابداع ، هي عملية تلقين وليست عملية تفاعل .
ثم تأتي المرحلة الأخيرة من الحصاد لتقيّم الطالب وفقا للمعلومات التي استقرت في ذاكرته ،وتقيس مدى تفوقه بمقدار تطابق اجاباته مع النموذج الأوحد للاجابة.
بينما تقوم العملية التعليمية في العالم المتقدم على فكرة تعليم الطالب كيف يقرأ ويبحث ويبتكر اي كيف يستخدم عقله، كيف يفكر وكيف يضع أفكاره في حيز التنفيذ ،كيف يتعلم وكيف يقيم ماتعلمه ، وقد طالب الفيلسوف جون ديوي بأن تكون المدارس واحة للتجريب والاستكشاف بدلا من أن تكون ميداناً للتلقين والتحفيظ، وأن تسعى العملية التعليمية لاثارة التساؤل والتفكير الناقد والجدل العلمي أكثر من أن تبدأ بالشرح وتنتهي بالاختبارات .
ولكل أُمة أولوياتها.. فمنها من يضع التنمية الإقتصادية أولوية وبالتالي ترتكز الفلسفة التعليمية حول أهمية الإستقرار  الإقتصادي والإنتاج، مثل ألمانيا ،وهناك الفلسفة التعليمية اليابانية التي تهدف الى بناء الشخصية القومية من خلال تعلم الفنون اليابانية بالاضافة الى العلوم الحديثة والتركيز على البيئة والانسان،وتعليم الطالب عددا من القدرات والقيم الخلقية واكسابه القدرة على التقييم  النقدى للسياسات فى ضوء معايير الحضارة اليابانية والحضارة الإنسانية
وهناك من الأمم من يرى أن التنمية الثقافية تأتي في المقدّمة، فترتكز فلسفتها التعليمية إلى معالجة الإشكاليات الثقافية التي تُفجر نزاعات وحروبا أيديولوجية وطائفية.
فماهي أولوياتنا ؟وماهي منطلقات فلسفتنا التعليمية ؟
أرى أن العملية التعليمية ليست سوى سباق لجمع أكبر قدر من الدرجات تمكن من الالتحاق بمايسمى "كليات القمة" للتفاخر واكتساب مكانة اجتماعية معينة.
 التعليم في مصر يستنسخ العقول ولا يربيها
وبناءا عليه تم اختزال ناتج العملية التعليمية في ورقة تحوي "نموذج اجابة"
ورقة اهتزت لها وزارة التعليم وانتفضت من أجلها جهات سيادية وصرح قانونيون أنها تعد أمنا قوميا .
لاتحاسبوا من سرب نموذج الاجابة
بل حاسبوا من وضعه ومن اختزل عقول أبنائنا ومستقبلهم في ورقة.

بل أنتم من تقلبون نظام الحكم


"محاولة قلب نظام الحكم"
أو "التحريض على قلب نظام الحكم"
من أكثر التهم رواجًا وشيوعًا هذه الأيام.. تهمة جاهزة يتم إطلاقها على أي مواطن يجرؤعلى معارضة السلطة، فالنظام لا يحتمل هؤلاء المعارضين، ويعتبر أن مجرد الجهر بالاختلاف تحريضًا للقضاء عليه.
وينص قانون العقوبات المصري على عقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، لكل من يحاول بالقوة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهورى أو شكل الحكومة، وهي من الجرائم التي يعاقب على الشروع فيها، ولا يعاقب على إتمامها، وفي الغالب لاتتم إدانة المتهمين، إنما تبقى التهمة مستخدمة كسلاح يشهر في وجه المعارضين لإرهابهم.
لكن إذا أخذنا التهمة مأخذ الجد، وبحثنا عمن تنطبق عليهم، وحاولنا الإجابة عن سؤال :من يحاول تغيير دستور الدولة ونظامها بالقوة؟
وبنظرة سريعة لبعض مواد الدستور ومقارنتها بالواقع سنجد الاجابة...
- ينص الدستور المصري مادة (1) على أن: "جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة موحدة، لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون".
- مادة (5): "يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسؤولية مع السلطة، واحترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين في الدستور".
-مادة (15): "يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور".
ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف، وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام آية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة".
فمن يريد قلب نظام الحكم، هو من يسعى للقضاء على التعددية السياسية؟
من يحارب الأحزاب ويعمل على التخلص منها؟
من يرى أن حق المواطن وحريته منحه يهبها له الحاكم وفقًا للظروف السياسية؟
من يريد قلب نظام الحكم هو الذي يعمل على الاستئثار بالسلطة، وإجهاض فكرة التشارك والتداول؟

من يريد قلب نظام الحكم هو من يقفز على أحكام الدستور



نشر بموقع الطريق 7 مايو 2016