الأحد، 18 ديسمبر 2016

مزيد من الحرية .... قليل من التطرف

لا يختلف انسان على بشاعة الحادث الارهابي الذي تعرضت له الكنيسة البطرسية بالعباسية يوم الأحد الماضي.
مواطنون مصريون عزل يؤدون صلاتهم في مكان عبادتهم ليأتي شاب في ربيع عمره ومقتبل حياته يحكم على نفسه وعليهم بالموت.
عمل لاتقل غرابته عن بشاعته
ماذا دفع هذا الشاب للانتحار؟ أي معتقد أمره بأن يقدم على التضحية بحياته ليقتل أبرياء لا تربط بينه وبينهم أية علاقة وربما لم يرهم من قبل؟؟؟
وماالذي يجب علينا عمله لنتجنب تكرار مثل هذا الفعل؟
الغريب أنني سمعت اجابة هذا السؤال في كثير من الفضائيات وكلها تتطابق في تقديم الحل:تغيير الدستور،التوسع في المحاكمات العسكرية للمدنيين ،اغلاق معبر رفح !!!!
لا أعرف أي دستور يمكنه أن يثني مثل هذا الشاب عن قتل نفسه وقتل غيره؟
أية محاكمات عسكرية يمكنها تقديم أحكام أشد مما حكم به هو على نفسه؟
الشاب حكم على نفسه بالموت ،وضع دستوره وقوانينه الخاصة به وحكم بموجبها على نفسه وغيره بالقتل، ولم يترك لنا فرصة محاسبته.
الشاب تمت ادانته من قبل ، قُبض عليه منذ عامين وبحوزته قنبلة ،ماذا فعلنا معه؟
ماذا فعلنا مع كل الشباب الذين تم القبض عليهم في أحداث عنف؟
هناك من تم حبسه وقضى فترة العقوبة وهناك من تم الافراج عنه .
يجب ألا نتعامل مع هؤلاء من منطلق قانوني فقط ،هؤلاء مرضى يحملون أفكارا تدين المجتمع ،علينا التعامل مع هذه الأفكار ليس بكبتها والقضاء على من يحملها وليس بالتفتيش في العقول  وتغليظ العقوبة على من يخالفنا الرأي ،بل بالاحتواء واعادة تأهيل هؤلاء الشباب .
نبحث في أسباب كراهيتهم لمجتمعهم وانفصالهم عنه ،وكيف استقطبهم شيوخهم واستطاعوا السيطرة عليهم الى حد جعلهم يستهينون بالحياة نفسها.
هؤلاء الشباب انتموا لمن أشعرهم بأهميتهم ،لمن أعطاهم معنى لوجودهم وأملا حتى لو كان هذا الأمل يتحقق بالموت.
علينا أن نحاسب أنفسنا أولا لنعرف لماذا فرطنا في هؤلاء الشباب وكيف تركناهم عزل لا يقدرون على مواجهة مثل تلك الأفكار الهادمة ،وعندها سنعرف كيف يمكننا استعادة هؤلاء ،ليس بالمحاكمات العسكرية ولا باغلاق معبر رفح وليس بازدراء حقوق الانسان كما يروج شياطين الفضائيات ولكن باعلاء قيمة الانسان وارساء مبادئ حرية الفكر والعقيدة .
ماذا يميزنا عن الارهابي اذا كنا سنكفرمثله بالحرية وبالانسان ؟
العنف في مواجهة الأفكار يزيدها قوة وقتل صاحب الفكرة أو التنكيل به يدعم فكرته وينشرها ،وعلى مر العصوركانت المجتمعات المنغلقة  والسجون بيئة خصبة لانتشار الأفكار المتطرفة ،التي يظهر تهافتها وضعفها بمجرد خروجها للنور.

فالأفكار المتطرفة كالفيروسات لا تنتشر الا في الأماكن المغلقة ،والفكر الحر هو وحده القادر على تحصين صاحبه ضد التطرف.

نشر بموقع الطريق في 15 ديسمبر 2016

أنا الوطن والوطن أنا


"أنا الدولة والدولة أنا"
قول مشهور ينسب للملك الفرنسي لويس الرابع عشر الذي تولى حكم فرنسا منذ 1643 و حتى 1715.
عبارة بسيطة موجزة تختصر فلسفة حكم الفرد وتبرر كل مايقوم به الحاكم من قمع وتنكيل بمعارضيه ،فالحاكم هو الدولة ،ومعارضته خيانة ،ومحاولة انهاء حكمه هدم لكيان الدولة.
فالحاكم والنظام السياسي والدولة كيان واحد لايمكن تجزئته ،الحاكم هو النظام والنظام هو الدولة.
واذا كان هذا هو الفكر السياسي الذي حكم فرنسا قديما الا أنه لازال سائدا عند أغلب حكام العالم الثالث ،بل ان العبارة تتحول الى :"أنا الوطن والوطن أنا".
وعندها يصبح الحاكم وحاشيته و كل ما يتعلق برجال الدولة خطاً أحمر لا يجب الإقتراب منه ،  فيصبح كل من ينتقد الحاكم أو يقف في وجهه أو يعترض على قراراته و يخالفه في رأيه ،  خائنا للوطن يجب القصاص منه ومن كل من يعاونه بل ومن يرضى عن أفعاله.
وفي أوقات الأزمات ـوهي دائمة في بلادناـ تزداد قابلية الشعوب لتصديق هذه المزاعم ،ويصبح الدفاع عن الحاكم دفاعا عن الوطن ،والولاء له مرادفا لمعنى الوطنية.
ولكن في الواقع يجب  التمييز بين الدولة والحكومة، فمفهوم الدولة أكثر اتساعا من الحكومة، الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجتمع وأفراده بوصفهم مواطنين، وهو ما يعني أن الحكومة ليست إلا جزءا من الدولة. فالحكومة هي الوسيلة التي تمكن الدولة من أداء مهامها ، الدولة كيان له صفة البقاء والاستمرار بينما الحكومة مؤقتة بطبيعتها ، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، ولكن تبقى الدولة.
اسقاط الحكومة وتغييرها بالطرق السلمية هى أحد الاستحقاقات الديمقراطية وقواعدها التى يجب التسليم بها ولكن ليس من حق أى فصيل سياسى أن يسعى لإسقاط الدولة تحت أي مسمى.
ويجب أن تنتمي مؤسسات الدولة للشعب وليس للنظام السياسي ،الشرطة لأمن المواطن، والجيش لأمن الوطن، والقضاء يحكم بالعدل فلا تتحول أحكامه أداة للانتقام وتصفية الحسابات.
فالدولة هي القانون. والنظام هو السياسة ،واذا اختلط المفهومان فقد القانون قدرته على تأمين المساواة والعدل في المجتمع.  وهنا يستعير النظام من الدولة مؤسساتها الأمنية، ليفرض بالقوة سلطته وهيمنته على المجتمع.

خلط المفاهيم بين الحاكم والوطن والدولة والنظام لن يحمي الحاكم ونظامه لكنه سيفقد الدولة هيبتها والوطن قدسيته

الخميس، 20 أكتوبر 2016

"المؤسسة العسكرية" دولة في "شبه دولة


"القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، والدولة وحدها هى 
التى تنشئ هذه القوات."
هذا مانص عليه الدستور المصري في تحديد مهمة القوات المسلحة
وهذا هو المتعارف عليه في العالم أجمع
القوات المسلحة دعامة أساسية وركيزة هامة لكل دولة ،لكن لايمكن اخراجها عن دورها الذي أقره الدستور ولا يمكن أن تحل محل مؤسسات الدولة الأخرى.
القوات المسلحة ليست هي الدولة ولا يمكن أن تقوم بدورها .
وزارة الدفاع من أهم الوزارات لكن لايمكن أن تحل محل وزارة أخرى ،فمن غير المنطقي أن تقوم وزارة الدفاع بعمل وزارة التموين أو وزارة المواصلات ،وأخيرا وليس آخرا وزارة الصحة.
وربما يرى البعض أن المؤسسة العسكرية هي المؤسسة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها وأنها– وحدها –من تستطيع انجاز المهام التي توكل اليها على أفضل وجه .
نعم هذه حقيقة ،ولكن لماذا؟
لماذا تنجح القوات المسلحة فيما تعجز عنه باقي مؤسسات الدولة ووزاراتها؟
ببساطة :لأنها تملك من الامكانات مالاتملكه  الدولة .
فهل يستمر اضعاف مؤسسات الدولة لصالح المؤسسة العسكرية  ؟
هل يمكن أن تقوى المؤسسة العسكرية اذا استمر الزج بها في أعمال بعيدة عن طبيعتها وعن  دورها الأساسي ؟
هل يمكن بناء جيش قوي دون استكمال بناء باقي مؤسسات الدولة؟
أعلم أن تساؤلاتي ستثير غضب البعض ،وبالطبع ستكال لي الاتهامات بعدم الوطنية وبالاشتراك في المؤامرة الكونية التي تدار ضد قواتنا المسلحة .
لكني أؤكد أن المطالبة باحداث توازن بين مؤسسات الدولة يدعم تلك المؤسسات ولا يضعفها ،وأن الدولة القوية بكل مؤسساتها هي التي يمكنها الوقوف في وجه المؤامرات .
أما شبه الدولة فلايمكنها بناء جيش قوي مهما منحته من امتيازات على حساب باقي مؤسساتها .
البحث العلمي لايقل أهمية عن التسليح ،ودور وزارة الصحة في الحفاظ على حياة المواطن لايقل أهمية عن دور الأمن .

المؤسسات الضعيفة يجب أن تجد دعما ومسانده من الدولة لا أن يسند دورها للمؤسسة العسكرية، فالدولة كيان متكامل لا يستقيم الا باحداث توازن بين أركانه.

نشر بموقع الطريق 3 سبتمبر 2016

وزارة الامتحانات


يظل موضوع الثانوية العامة من أكثر الموضوعات أهمية واثارة للقلق والجدل في البيت المصري ،وجاءت "كارثة" تسريب الامتحانات لتضيف المزيد من التحديات والأعباء على الطلبة وأسرهم والمسؤولين عن التعليم  حتى أشيع أن الامتحانات ستتم باشراف جهات سيادية وبتأمين من وزارة الدفاع.
وهنا وصل العبث الى ذروته ،وبدلا من البحث عن اصل الداء بحثنا عن علاج العرض
اعتبرنا تسريب نموذج الاجابة جريمة ،رغم أن الجريمة هي وجود مثل هذا النموذج
اعتبرنا تسريب الامتحان افسادا للعملية التعليمية وكان الأجدر أن نتساءل ماذا يضيف هذا الامتحان للعملية التعليمية؟
بل نتساءل أولا عن هدف العملية التعليمية أو فلسفة التعليم في مصر
واعني بالفلسفة القصد من العملية التعليمية كلها.. وهل نعلم أولادنا لنملأ عقولهم بالمعلومات، ام ليناقشوا وينقدوا ويخرجوا مما تعلموا بنتائج جديدة تضيف لحياتهم وحياتنا؟
العملية التعليمية في مصر تقوم على عملية تلقين وحفظ فهي عملية ملء عقول الطلاب بمعلومات وأحكام جاهزة وليست عملية ابداع ، هي عملية تلقين وليست عملية تفاعل .
ثم تأتي المرحلة الأخيرة من الحصاد لتقيّم الطالب وفقا للمعلومات التي استقرت في ذاكرته ،وتقيس مدى تفوقه بمقدار تطابق اجاباته مع النموذج الأوحد للاجابة.
بينما تقوم العملية التعليمية في العالم المتقدم على فكرة تعليم الطالب كيف يقرأ ويبحث ويبتكر اي كيف يستخدم عقله، كيف يفكر وكيف يضع أفكاره في حيز التنفيذ ،كيف يتعلم وكيف يقيم ماتعلمه ، وقد طالب الفيلسوف جون ديوي بأن تكون المدارس واحة للتجريب والاستكشاف بدلا من أن تكون ميداناً للتلقين والتحفيظ، وأن تسعى العملية التعليمية لاثارة التساؤل والتفكير الناقد والجدل العلمي أكثر من أن تبدأ بالشرح وتنتهي بالاختبارات .
ولكل أُمة أولوياتها.. فمنها من يضع التنمية الإقتصادية أولوية وبالتالي ترتكز الفلسفة التعليمية حول أهمية الإستقرار  الإقتصادي والإنتاج، مثل ألمانيا ،وهناك الفلسفة التعليمية اليابانية التي تهدف الى بناء الشخصية القومية من خلال تعلم الفنون اليابانية بالاضافة الى العلوم الحديثة والتركيز على البيئة والانسان،وتعليم الطالب عددا من القدرات والقيم الخلقية واكسابه القدرة على التقييم  النقدى للسياسات فى ضوء معايير الحضارة اليابانية والحضارة الإنسانية
وهناك من الأمم من يرى أن التنمية الثقافية تأتي في المقدّمة، فترتكز فلسفتها التعليمية إلى معالجة الإشكاليات الثقافية التي تُفجر نزاعات وحروبا أيديولوجية وطائفية.
فماهي أولوياتنا ؟وماهي منطلقات فلسفتنا التعليمية ؟
أرى أن العملية التعليمية ليست سوى سباق لجمع أكبر قدر من الدرجات تمكن من الالتحاق بمايسمى "كليات القمة" للتفاخر واكتساب مكانة اجتماعية معينة.
 التعليم في مصر يستنسخ العقول ولا يربيها
وبناءا عليه تم اختزال ناتج العملية التعليمية في ورقة تحوي "نموذج اجابة"
ورقة اهتزت لها وزارة التعليم وانتفضت من أجلها جهات سيادية وصرح قانونيون أنها تعد أمنا قوميا .
لاتحاسبوا من سرب نموذج الاجابة
بل حاسبوا من وضعه ومن اختزل عقول أبنائنا ومستقبلهم في ورقة.

بل أنتم من تقلبون نظام الحكم


"محاولة قلب نظام الحكم"
أو "التحريض على قلب نظام الحكم"
من أكثر التهم رواجًا وشيوعًا هذه الأيام.. تهمة جاهزة يتم إطلاقها على أي مواطن يجرؤعلى معارضة السلطة، فالنظام لا يحتمل هؤلاء المعارضين، ويعتبر أن مجرد الجهر بالاختلاف تحريضًا للقضاء عليه.
وينص قانون العقوبات المصري على عقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، لكل من يحاول بالقوة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهورى أو شكل الحكومة، وهي من الجرائم التي يعاقب على الشروع فيها، ولا يعاقب على إتمامها، وفي الغالب لاتتم إدانة المتهمين، إنما تبقى التهمة مستخدمة كسلاح يشهر في وجه المعارضين لإرهابهم.
لكن إذا أخذنا التهمة مأخذ الجد، وبحثنا عمن تنطبق عليهم، وحاولنا الإجابة عن سؤال :من يحاول تغيير دستور الدولة ونظامها بالقوة؟
وبنظرة سريعة لبعض مواد الدستور ومقارنتها بالواقع سنجد الاجابة...
- ينص الدستور المصري مادة (1) على أن: "جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة موحدة، لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون".
- مادة (5): "يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسؤولية مع السلطة، واحترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين في الدستور".
-مادة (15): "يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور".
ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف، وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام آية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة".
فمن يريد قلب نظام الحكم، هو من يسعى للقضاء على التعددية السياسية؟
من يحارب الأحزاب ويعمل على التخلص منها؟
من يرى أن حق المواطن وحريته منحه يهبها له الحاكم وفقًا للظروف السياسية؟
من يريد قلب نظام الحكم هو الذي يعمل على الاستئثار بالسلطة، وإجهاض فكرة التشارك والتداول؟

من يريد قلب نظام الحكم هو من يقفز على أحكام الدستور



نشر بموقع الطريق 7 مايو 2016

الأربعاء، 27 أبريل 2016

النواب قالوا "نعم" لبيان الحكومة خوفا على "العدة"

هناك مشهد للفنان عادل امام في مسرحية "شاهد ماشافش حاجة " يحكي عن فاتورة التليفون التي جاءته بمكالمات زيادة وكيف أنه حرص على دفعها بل ودفع غرامة لتأخره في السداد وانه اضطر لذلك خوفا على العدة (مع انه ماعندوش تليفون).!!!
تذكرت هذا المشهد وأنا أستمع لتبرير بعض أعضاء مجلس الشعب وكيف أنهم وافقوا على بيان الحكومة رغم مابه من عوار وقصور تجعله لايرقى –في نظر كثيرين منهم – لاعتباره برنامجا،ورغم أنه –بشهادة كثيرين أيضا-لايحتوي على خطط بقدر احتوائه على شعارات وأمنيات .
وأن هذا البيان لم يضع برنامجا زمنيا ولا سياسات واضحة لحل المشاكل التي يعاني منها المواطن ،بما فيها الصحة والتعليم والبطالة
لكن هؤلاء اضطروا للموافقة حتى لا يترتب على رفضهم سحب الثقة من الحكومة (خايفين على العدة) رغم انها بالفعل حكومة أثبتت فشلها ،ولن يضير الشعب ولا عجلة التنمية حدوث هذا التغيير.
لكنه منطق الثبات على السئ القديم خوفا من القادم الجديد
للأسف هذا الخوف ظل الشعور الأقوى الذي يحرك غالبية الشعب أثناء حكم مبارك وكان المنطق السائد"اللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفوش" رغم اتفاق الغالبية أن "اللي تعرفه" سئ جدا !!!
ورغم قيام ثورة يناير ومانتج عنها من خلخلة النظام وكسر حاجز الخوف من التغيير الا أن هذا المنطق عاد من جديد مع أول استفتاء بعد الثورة على تعديل الدستور .
ليعود منطق الغالبية مرة أخرى أن "نعم" تعني الاستقرار.
ويظل السؤال المعلق بلا اجابة:استقرار على أي شئ؟
وهل يعد استمرار الفشل استقرارا؟
حتى الاستفتاء على "دستور الأخوان " كانت نتيجته :نعم ،حرصا على الاستقرار وعجلة الانتاج
وبعد عدة أشهر قالت الغالبية "نعم" مرة أخرى لتعديل نفس الدستور الذي تم اقراره.
ورغم أن كل "نعم" لم ينتج عنها الا مزيد من الفشل الا أن غالبية الشعب لاتزال متمسكة بها خوفا على الاستقرار أو "العدة" رغم انه لايوجد استقرار ولا توجد عدة .
وأنا على يقين أنه لو عرض تعديل الدستور مرة أخرى لقالت الغالبية :نعم
وأخشى كذلك أنه لو حدث استفتاء على تنازل مصر عن سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير أن تأتي الاجابة بـ"نعم"
حرصا على الاستقرار وعلى "العدة".
فمتى يدرك الشعب ومن قبله نوابه أن "نعم" ليست هي الاجابة الصحيحة دائما
وأن الثبات ليس هو الحالة المثالية
وأن الابقاء على المياه الراكده خوفا من الظمأ منطق غير مقبول
فاغلاق النوافذ خوفا من رياح التغيير لن يجدي نفعا اذا هب الاعصار
 نشر بموقع الطريق 21 ابريل 2016

نقتل محمود ونشوف

في مشهد يضم الرائعين محمود مرسي وشادية تم تلخيص فكر الطغاة  بعبارة قصيرة على لسان الفنان محمود مرسي :نقتل محمود ونشوف
المشهد من فيلم شئ من الخوف الذي تم انتاجه عام 1969 واخرجه حسين كمال عن قصة قصيرة للكاتب ثروت أباظة،و كتب الشاعرعبد الرحمن الأبنودي حوار وأغاني الفيلم.
الفيلم –كما نعرفه جميعا-يحكي قصة عتريس (محمود مرسي) الذي يفرض سلطته على أهالي القرية مستعينا ببطش عصابته وضعف الأهالي واستكانتهم .
كان عتريس يحب فؤادة (شادية) منذ طفولته ولكن فؤادة تتحدى عتريس بفتح الهويس الذي أغلقه عقاباً لأهل القرية ولأن عتريس يحب فؤادة لا يستطيع قتلها فيقرر أن يتزوجها.
حافظ (محمد توفيق) أبو فؤادة لا يستطيع أن يعصى أمر عتريس فيزوجها له بشهادة شهود باطلة.
وعندما يعلم أهل القرية ذلك تبدأ المقاومة فهم تنازلوا عن كرامتهم وأموالهم لكنهم لن يفرطوا في عرضهم .
يبدأ رجال عتريس في تفقد أحوال القرية لمعرفة قادة المقاومة ويستقون معلوماتهم من عبيط القرية (جهاز استخبارات واعلام الطغاة)
يتزعم الشيخ إبراهيم (يحيى شاهين)  حركة المقاومة فينكل به عتريس ورجاله ويغرقون أرضه ليصمت لكن الشيخ يزداد قوة
يقرر عتريس قتل محمود (ابن الشيخ ) وعنما تعلم فؤاده ذلك تنتفض وتحاول اثناء عتريس عن قراره
فيجيبها أنها اذا خضعت فلن يقتل محمود
لكنها ترفض وتخبره أنها كانت له بالعهد الذي قطعاه معا ،كانت له وهي حرة ،لكنه نقض العهد فلن تصبح له حتى وهي أسيرة في بيته ،لن تهب نفسها خوفا بعد أن نقض ميثاقه معها.
ثم تخبره بالحقيقة التي يرفض كل طاغية استيعابها:أن محمود (الثائر) ليس فردا ،وقتله لن يسكت الألسنة ولن يطفئ نيران الغضب ، اذا رفضت فؤاده الخضوع لن يموت محمود حتى لو قتل ،لأن البلد كلها ستصبح محمود
لكنها اذا استسلمت سيموتون جميعا لأنهم لن يستطيعوا رفع رؤوسهم.
يصر الطاغية على رأيه فتأتي نهايته وتشتعل ثورة أهل البلد وتنتقل الشرارة التي حاول اخمادها بالقوة الى كل منزل .
يجتمعون حاملين جثمان محمود الذي انتقلت روحه لهم جميعا فخرجوا رافضين التفريط في العرض يرددون صيحة الشيخ ابراهيم التي ظن عتريس أنه سيقضي عليها :جواز عتريس من فؤاده باطل....باطل....باطل
فالبطش لم يكسر ارادتهم لكنه كسر حاجز الخوف .
واحترق عتريس بنيران الغضب التي أشعلها في قلوب أهل البلد.
نشر بموقع الطريق 24 ابريل 2016

اسكت حتى لانراك

"تكلم حتى أراك"
عبارة قصيرة خالده قالها الفيلسوف سقراط ليعلم تلاميذه ان حديث الانسان هو مايخبر عن هويته ،وأن الوجود الحقيقي للانسان يكمن فيما يحمله عقله من أفكار وفي قدرته على التعبير عنها .
وربما فهمت الحكومات الديكتاتورية هذا الدرس جيدا ،فعملت على أن يصمت مواطنوها حتى لاتراهم ولايرى بعضهم بعضا فانقلبت العبارة الى :لاتتحدث حتى لا أراك
فالحديث – وليس الصياح - هو مايعبر عن وجود الشخص ،وما يمكن كل فرد من مشاركة فكره مع الآخرين ،فيتفاعل معهم ويؤثر ويتأثر بهم ،هنا يصبح المجتمع له وجود حقيقي ،مؤثر،لايمكن تجاهله
وماحدث في 25 يناير ومابعدها تجسيد حي لما أقول ،فعندما اجتمع الشعب المصري على قول واحد ،فرض وجوده وارادته على من كانوا يحكمون .
وانتشرت وقتهاعبارة ساخرة لكنها عبرت عن مغزى عميق: "الـ 80 مليون أخدوا أرقام بعض ،وهي رنة والكل حينزل الميدان" .
في اشارة الى أن أفراد الشعب تعارفوا ،تبادلوا الأفكار ،وتشاركوا الأهداف وأصبحوا كيانا واحدا .
حدث هذا عندما هجرنا الصمت ،عندما عبر كل فرد عما بداخله ،وعندما تكلمنا ،اكتشفنا –على اختلافاتنا- أننا شركاء في المعاناة ،والآلام والآمال.
وكما يخبرنا التاريخ فان جدار الصمت اذا تحطم فمن الصعب أن يبنى مرة أخرى .
ولكن ماذا حدث؟
لم نعد نتكلم ...اختلفت اللغة ،واختلطت المفاهيم ،انقلب الحوار الى صراخ ..الآراء تحولت الى اتهامات ...والأفكار صارت شائعات ،انتشر الضباب حولنا فصار كل منا يرى الآخر شبحا يهدده.
لم يعد كلام الشخص هو مايخبرنا عنه ...بل أصبحت رؤيتنا المسبقة له هي ماتفسر لنا مايقول ،فنقبل كل قول وعمل ممن نرضى عنه ،ونرفض بل ونجرم كل فعل أو قول ممن نختلف معه.

وهنا لم تعد هناك حاجة لبناء جدر الصمت والخوف ،ولم تعد مقولة  :لاتتكلم حتى لاأراك ،مناسبة ،بل تحولت الى :تكلم كما شئت فلن أراك الا كما أريد
نشر بموقع الشرقية بوست 17 سبتمبر 2015

الثلاثاء، 26 أبريل 2016

ديمقراطية خارج الصندوق


سجل المصريون خلال الخمس سنوات الأخيرة – منذ قيام ثورة 25 ينايروحتى الآن- رقما قياسيا في عدد مرات الذهاب الى صناديق الانتخاب بدأت بالاستفتاء على التعديلات الدستوريه  في مارس 2011،ثم انتخابات مجلس الشعب ،تبعها انتخابات مجلس الشورى عام 2012 ،فالانتخابات الرئاسية ،ثم الاستفتاء على الدستور ،وانتهت كل هذه الأعراس الديمقراطية (كما كان يطلق عليها الاعلام) الى لاشئ ليعاود المصريون الكرة مرة أخرى بالاستفتاء على تعديل الدستور (الذي وافقوا عليه منذ عام )،ثم الانتخابات الرئاسية وأخيرا انتخابات مجلس الشعب ،وفي انتظار انتخابات المجالس المحلية (مالم يجد جديد).
والملفت للنظر ان اقبال المصريين على صناديق الانتخاب في تراجع مستمر ،فهل كفروا بالديمقراطية  أم انهم غير مهيئين لها كما قال البعض؟
لكن هل الديمقراطية تعني الانتخابات؟
وهل الانتخابات – مهما بلغت نزاهتها-تؤدي الى حكم ديمقراطي؟
يضع  روبرت دال - عميد علماء السياسة الأميركية.- الانتخابات الحرة والنزيهة ضمن شروط الحكم الديمقراطي ، مؤكداُ على ضرورة أن يسبق إجراء تلك الانتخابات مجموعة من الحريات والحقوق ، معتبراً أن الترتيب هو:
- حرية الحصول على المعلومات من مصادر متعددة
- حرية التعبير
– حرية التنظيم وتشكيل مؤسسات مستقلة
– إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
أي أن الانتخابات الحرة والنزيهة هي "ذروة الديمقراطية وليس بدايتها" ، فالانتخابات لا تسبق الديمقراطية، وهي لا تنتجها  ولاتنتج الحريات والحقوق.
الديمقراطية ثقافة شاملة متكاملة،تشمل كل نواحي الحياة، بداية من العلاقة بين الأفراد فيما بينهم، والعلاقة ما بين الأفراد والمجتمع، وصولاً إلى العلاقة ما بين الفرد والدولة .
وهي ممارسة حرية الرأي بضمان القانون والدستور، وحرية الفكر والنقد والمساءلة الحقيقية، فالديمقراطية هي التي تؤمن حقوق المواطن ضد اساءة استخدام السلطة من قبل الحكام
وهى وسيلة لتحقيق الحكم الرشيد الذى يحقق مصالح المواطنين، ويؤمنهم ضد الفساد الناتج عن السلطة المطلقة، ويحافظ على استقرار المجتمع وسلامته، من خلال عمليات التصحيح المستمرة التى تكافئ الناجح، وتعاقب الفاشل .
وممارسة المواطن للديمقراطية لا تكون عبر صناديق الاقتراع بالاختيار بين بدائل مفروضة عليه  بقوانين غير عادلة . بل لابد أن يضمن النظام الحاكم بيئة تسمح بحرية الحركة للأحزاب، وفتح الأفق السياسى واحترام القانون والدستور، والعمل على تكوين الوعى السياسى للمواطن ليستعيد ثقته بفكرة العمل السياسى، وثقافة الاختيار الصحيح، ويدرك أن بإمكانه أن يشارك وأن يؤثر ويغير .
الديمقراطية  ليست ترفا بل هى وسيلة لتحقيق غاية اساسية وهى الحكم الرشيد، او الحكم الصالح، الذى يحقق مصالح الناس، ويمكنهم من مواجهة الفساد، ويحافظ على وجودهم واستقرار مجتمعاتهم ، فاذا تحقق ذلك تكون الديمقراطية وسيلة لضمان استمرار هذا الحكم واستقراره من خلال عمليات التصحيح المستمرة التى تكافئ الناجح، وتعاقب الفاشل .

لايوجد شعب غير صالح للديمقراطية ...ولكن توجد أنظمة غير صالحة للبقاء ،فهي تخشى اعطاء فرصة الاختيار الحر لمواطنيها  وأقصى مايمكنها عمله هو حشدهم أمام الصناديق لتنفيذ توجيهات أمنية تصيغها وسائل الاعلام بطرق مختلفة.
نشر بموقع الشرقية توداي 16 يناير 2016

الكفاح الوطني راية تتناقلها الأجيال


"جيل قتلنا بصمته وعجزه سنوات"
عبارة تتردد على ألسنة كثير من الشباب المصري ،يقولها بعضهم على استحياء ،ويجهر بها آخرون في وجه كل من يعارضهم من جيل الآباء.
ونجد هؤلاء يؤرخون للحركة الثورية في مصر منذ 25 يناير 2011 أو فترة الاستعداد لها.
والحقيقة أن الأحداث السياسية والاجتماعية لاتنتج من فراغ ،ولا يمكن بتر حدث ما ونزعه من سياقه التاريخي واعتباره وليد لحظة وقوعه.
والثورات ،وان كانت تبدو ظواهر فريدة في تاريخ الأمم الا أنها ناتج تراكمي للحراك الوطني وليست طفرة عشوائية .
ومن الطبيعي أن يقوم الشباب بهذا الحراك الوطني ، فهم أصحاب المبادرة دائما ،وهم أكثر فئات المجتمع قدرة واستعدادا للتواجد في الصفوف الأمامية .
ولأن التاريخ يكتبه المنتصر ،ولأن وسائل الاعلام كانت في يد الحاكم وحده ،فمن الطبيعي أن يمحو الطاغية أي أثر لمعارضيه وأن يغطي على كل الأصوات التي تخالفه.
وسأذكر شبابنا بعناوين بعض الصحف القومية يوم 26يناير 2011 والصور التي نشرتها لمواطنين يحتفلون بعيد الشرطة ويوزعون الورود على رجالها.
سأذكرهم بما كانت تنقله قنوات الدولة وماكان يقوله مراسلوها عن "المتآمرين" في ميدان التحرير.
وأسالهم :ماذا لو لم قم ثورة يناير في وجود وسائل الاتصال الاجتماعي ،و القنوات الفضائية ،والهواتف المزودة بكاميرات؟
وماذا كان سيقال عن تلك الأحداث لو لم يسقط مبارك ؟
ما أؤكد عليه أن الحراك الثوري الوطني لم ينقطع ،لم يستكن آباؤكم ولم يصمتوا ولم يعجزوا لكن لم يكن باستطاعتهم كتابة خطوات نضالهم في سجلات التاريخ،فلم يكن التاريخ يدون الا تحت اشراف الحاكم.
سأذكر لكم أحداثا قرأت عن بعضها ،وعاصرت بعضها وشاركت في جزء منها :
-  عام 1968 ثار عمال حلوان بعد حكم المحكمة العسكرية على ضباط الطيران المتهمين بالإهمال في هزيمة يونيو،لاعتبارهم أنَّ الاحكام متساهلة مع المتسببين في الهزيمة، شارك آلاف الطلاب في تلك الانتفاضة،ألقي القبض على كثيرين ،وأصيب آخرين، ثم تم احتواء الأزمة .
- في نوفمبر من نفس العام بدأت اضطرابات طلابية بسبب إعلان قانون جديد للتعليم لم يوافق عليه الطلبة،فانطلقت المظاهرات في الجامعات والمدارس  
وألقي القبض على مئات الطلاب وبعد حوالي ثلاثة أشهر أطلق سراحهم وأرسل قادتهم إلى الخدمة العسكرية.
- في عهد السادات كانت مظاهرات الطلبة عام 1972 للمطالبة بمحاربة اسرائيل
ألقي القبض على قادة الانتفاضة وأغلقت الجامعة بقرار من الرئيس .
-قام العمال بالعديد من الاضرابات والمظاهرات عامي 76،77،حتى كانت المظاهرات العارمة التي حدثت عقب رفع أسعار السلع عام 79 ،وتم الرجوع عن تلك القرارات واعتقال قادة الحركة ،وأطلق عليها "انتفاضة الحرامية"(نموذج صارخ لطمس وتشويه الحركة الوطنية ).
- في نهاية حكم السادات اندلعت المظاهرات المعارضة لمعاهدة كامب ديفيد تبعها حملة اعتقالات واسعة لقادة الحركة الوطنية.
-شهد عام 86 مظاهرات حاشدة  في أغلب الجامعات المصرية بعد مقتل سليمان خاطر ، تم التعامل معها بقوة ،وتصويرها في وسائل الاعلام على أنها محاولات "قلة مندسة لزعزعة الاستقرار"
تبعتها مظاهرات أخرى اعتراضا على مشاركة إسرائيل في سوق القاهرة الدولي .
-ساندت الحركة الطلابية انتفاضة الحجارة الفلسطينية في 1987،وخرجت المظاهرات تطالب بقطع العلاقات مع اسرائيل وتتهم نظام مبارك بالعمالة
-عام 98 خرج طلاب مصر منددين بالقصف الأمريكي على العراق مهاجمين نظام مبارك الذي اكتفى بمصمصة الشفاه في العلن و بالشماتة في النظام العراقي في السر .
-في سبتمبر 2000 خرجت جموع الطلبة للاحتجاج على اقتحام شارون للمسجد الأقصى و في جامعة الإسكندرية اشتعلت مظاهرات سلمية ضخمة واجهتها شرطة مبارك بالرصاص الحي مما أدى إلى استشهاد طالب .
 -20 مارس 2003 بعد الهجوم الأمريكي على العراق تحرك الطلاب إلى ميدان التحرير و شاركهم في ذلك أبناء الشعب المصري
-2004 بدأت حركة كفاية مظاهراتها ورفضها للتوريث بتظاهرة امام دار القضاء.
ماسبق كان عرضا سريعا يوضح تواصل الحراك الوطني الذي لم تنقطع موجاته ،لكن سدود الأنظمة القمعية أحاطت به وحاولت اخفائه ،حتى كانت الموجة العاتية التي أطاحت بتلك السدود في يناير 2011.

وستستمر الراية من جيل لجيل

نشر بالحوار المتمدن 21مارس 2016