"تكلم
حتى أراك"
عبارة قصيرة خالده قالها الفيلسوف سقراط ليعلم تلاميذه ان حديث الانسان هو
مايخبر عن هويته ،وأن الوجود الحقيقي للانسان يكمن فيما يحمله عقله من أفكار وفي
قدرته على التعبير عنها .
وربما فهمت الحكومات الديكتاتورية هذا الدرس جيدا ،فعملت على أن يصمت
مواطنوها حتى لاتراهم ولايرى بعضهم بعضا فانقلبت العبارة الى :لاتتحدث حتى لا أراك
فالحديث – وليس الصياح - هو مايعبر عن وجود الشخص ،وما يمكن كل فرد من
مشاركة فكره مع الآخرين ،فيتفاعل معهم ويؤثر ويتأثر بهم ،هنا يصبح المجتمع له وجود
حقيقي ،مؤثر،لايمكن تجاهله
وماحدث في 25 يناير ومابعدها تجسيد حي لما أقول ،فعندما اجتمع الشعب المصري
على قول واحد ،فرض وجوده وارادته على من كانوا يحكمون .
وانتشرت وقتهاعبارة ساخرة لكنها عبرت عن مغزى عميق: "الـ 80 مليون
أخدوا أرقام بعض ،وهي رنة والكل حينزل الميدان" .
في اشارة الى أن أفراد الشعب تعارفوا ،تبادلوا الأفكار ،وتشاركوا الأهداف
وأصبحوا كيانا واحدا .
حدث هذا عندما هجرنا الصمت ،عندما عبر كل فرد عما بداخله ،وعندما تكلمنا
،اكتشفنا –على اختلافاتنا- أننا شركاء في المعاناة ،والآلام والآمال.
وكما يخبرنا التاريخ فان جدار الصمت اذا تحطم فمن الصعب أن يبنى مرة أخرى .
ولكن ماذا حدث؟
لم نعد نتكلم ...اختلفت اللغة ،واختلطت المفاهيم ،انقلب الحوار الى صراخ
..الآراء تحولت الى اتهامات ...والأفكار صارت شائعات ،انتشر الضباب حولنا فصار كل
منا يرى الآخر شبحا يهدده.
لم يعد كلام الشخص هو مايخبرنا عنه ...بل أصبحت رؤيتنا المسبقة له هي
ماتفسر لنا مايقول ،فنقبل كل قول وعمل ممن نرضى عنه ،ونرفض بل ونجرم كل فعل أو قول
ممن نختلف معه.
وهنا لم تعد هناك حاجة لبناء جدر الصمت والخوف ،ولم تعد مقولة :لاتتكلم حتى لاأراك ،مناسبة ،بل تحولت الى
:تكلم كما شئت فلن أراك الا كما أريد
نشر بموقع الشرقية بوست 17 سبتمبر 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق