هناك صورة شهيرة توضح دور الاعلام في تزييف الحقيقة،الصورة
لجندي أسير عن يمينه شخص يسقيه ماء ،وعن يساره آخر يصوب البندقية تجاه رأسه.
اذا عرضت الصورة من ناحية اليمين فقط ظهر لك الأسير وهو يسقى
بالماء فتظن أنه يلاقي معاملة حسنة.
واذا التقطت الصورة من اليسار ظهرت البندقية مصوبة لرأس الأسير
فتعتقد أنه يعاني سوء المعاملة.
هذا مايفعله الاعلام المصري –للأسف- فلا يعرض الا زاوية واحدة
للصورة ولا يعرض الحدث الا من خلال رؤية مبتورة تخدم توجه القائمين عليه.
ولايمكن أن ننكر حق الاعلام في تبني موقف محدد أو الانحياز
لوجهة نظر معينة ،لكن هناك فرق بين بتر الخبر أو تلوينه لتغيير الحقيقه ،وبين تبني
تفسير معين للحدث .
فاذا أخذنا مثالا لماحدث في الاسكندرية وما تناقلته وسائل الاعلام ومواقع
التواصل الاجتماعي عن مائدة الافطار لشعرنا أن هناك حدثان منفصلان تماما ،فلايمكن
أن يتصور من قرأ عن دخول الاسكندرية موسوعة جينيس للأرقام القياسية بتنظيمها أطول
مائدة افطار ،وما صحب هذا الخبر من صور لكورنيش الاسكندرية وامتداد الموائد بطوله
بشكل رائع أن هذا الحدث هو نفسه ماقيل عنه أنه فضيحة كبرى وأن صور المشاجرات
والمخلفات الملقاة بطول الكورنيش صور حية تعبر عن وقائع نفس الخبر.
هذا النهج نجده في كثير مما نستقبله من أخبار :خبر في قناة أو صحيفة ما
،ونقيضه تماما في قناة وصحيفة أخرى .
ولا يقتصر هذا التشويه –المتعمد- على نقل الأخبار فقط ،بل يتعداها الى
التصريحات والأحاديث الصحفية ،فعلى سبيل المثال –لا الحصر- قرأت منذ أيام حديثا مع الدكتورة آمنة
نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر،وكان العنوان الرئيسي المفترض أنه مقتبس من
كلامها : "الحجاب عادة يهودية والسلفيون صهاينة"
وبالرجوع الى الحوار وجدت العنوان "المقتبس" بعيد كل البعد عن
تصريحات الدكتورة آمنه ،وأن الصحفي خلط –عمدا أو جهلا- بين كلمتي :الحجاب والنقاب
،كما خلط بين مفهومي:الصهاينة وأحبار اليهود.
وهذا أحد الأمثلة التي تتكرر كثيرا ،فنجد العناوين التي تشير الى خبر أو
حديث أو فيديو بعيدة كل البعد عن مضمون هذه المواد،وللأسف فان المتلقي –نظرا لضيق
الوقت أو العجلة وربما الهوى الشخصي –يكتفي بقراءة العناوين ويبني آراءه أو يدعم
مواقفه على أساسها.
والاعلام – كغيره من المؤسسات
والمنظومات في مصر- بحاجة الى اصلاح شامل ،والى ارساء قواعد مهنية وسلوكية تنظم
عمله ،وتحقق التوازن بين الحرية في نقل الأخبار والمعلومات وطرح الآراء والأفكار
من جهه والالتزام بالحيادية والمهنية من جهه أخرى .
وعلينا نحن – جماهير وسائل الاعلام - أن نتعلم كيف ننظر الى الأوجه
المتعددة للصورة ،وألا نكتفي بالزاوية التي تخدم توجهنا وتؤيد وجهة نظرنا ،بل نسعى
للبحث عن الحقيقة .
نحرص على أن تكون رغبتنا في المعرفة سابقة على رغبتنا في تدعيم وجهة نظرنا
.
نبني قناعتنا على ما نجمعه من معلومات ، بدلا من أن نصدق المعلومات التي
تتفق مع قناعتنا فقط.
نتعلم أن الكذب هو مايخالف الحقيقة وليس ما يتعارض مع مانؤمن به من أفكار.
مقال نشر بموقع الشرقية بوست أغسطس 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق